تبرز الممثلة سعاد جناتي، تطلعها الدائم إلى الجديد والمختلف، وتكشف عن اهتمامها بإنتاج عشرة أعمال مونودرامية مستقبلاً.
وتشدّد المتوّجة بجائزة أحسن أداء نسائي في مهرجان المسرح المحترف (دورة 2022)، على قوة حضور الفنانات الجزائريات، وتقديمهنّ الإضافة منذ أربعينات القرن الماضي.
- حدّثينا عن مسار ثلاثيتك المونودرامية “مايا” و”ميرة” و”لالونا” ومشاركتك مع زوجك هشام بوسهلة كتابةً وتمثيلاً وإخراجاً في مهرجانات عديدة بالإمارات والسودان وبولندا وألمانيا وغيرها…
– كانت بدايتي مع المونودرام سنة 2012 بعرض “مايا”، حيث كانت أول تجربة حقيقية محترفة، إذ أني اكتشفت قدراتي بعد تجريب وتقمص عدّة شخصيات، وزادني نجاح “مايا” في أعين الجمهور والنقاد، قوةً وشجاعة رفقة هشام لخوض مغامرة أخرى، فكانت “ميرا” عام 2015، أين وجدت نفسي أتحمّل مسؤولية أكبر بعد نجاح العرض المونودرامي الأول، ولم يكن الأمر سهلاً رغم تصنيفي كممثلة محترفة منذ العام 2007، ثمّ كانت “لالونا” التي تعتبر آخر تجربة لي في فن المونودراما.
ما زاد تجربتنا أنا وهشام، جمالاً ونجاحاً، ذاك البعد العالمي الذي أخذته، فبعدما بدأنا من حاضرة سيدي بلعباس (400 كيلومتر غربي العاصمة الجزائر)، زارت أعمالنا قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا، وما يزيدنا فخراً أنّ عروضنا هي من وزّعت نفسها بلا أي دعم من أي جهة، إذا ما استثنينا صديقنا الفنان والأستاذ، سعادة المهندس محمد الأفخم، مدير مهرجان الفجيرة الدولي للفنون، ورئيس الهيئة الدولية للمسرح.
أنوّه إلى أنّنا توصلنا أنا وهشام إلى توليفة فنية وتركيبة كيميائية ناجحة، إذ عرف هو نقاط القوة التي أملكها كممثلة، وصرت أفهم أكثر كيف يصنع هشام المونودرام، فمعرفة الشخصية الرئيسية والشخصيات المرافقة جعلتني أتحكم وأبدع أكثر.
- اندرجت قبل أشهر في تجربة “الموعد. كون” لمسرح سيدي بلعباس الجهوي، كيف تعاملت مع أول توليفة جماعية بعد نحو عقدٍ من تركيزك على المونودراما؟
– في الحقيقة هي ليست التوليفة الأولى لي، فقد بدأت المسرح بأعمال جماعية، حيث كانت بداياتي في المسرح الجامعي عام 2003 ثمّ المحترف سنة 2007، وشاركت تقريباً في شتى الأعمال التي أنتجها مسرح سيدي بلعباس الجهوي، على غرار “غبرة الفهامة”، “الأجداد يزدادون شراسة”، “ليالي الموت”، “دار العجب”، “الخط الأصفر” وغيرها، لكن تبقى “الموعد. كون” خامس توليفة تجمعني بهشام بوسهلة ممثلاً، وكانت تجربة جميلة وممتعة ومتجدّدة، وحاولنا أن نستمتع بالعمل ونُمتع الجمهور، حيث كنا صادقين، فكان ذلك النجاح والحمد لله.
- تشهد ممارسة المونودراما تنامياً في الجزائر، وأثارت تجاربها جدلاً بين معادلة الاشتغال على استثارة الجمهور وإسقاط مفهوم النخبوية، ما رؤيتك للمسألة؟
– قد يكون مصطلح النخبة أو مفهوم النخبوية ينطوي على شقين مختلفين يلتقيان في التجريب، فماذا نقصد بالنخبة؟ ومن هم النخبة؟ أهم أهل الاختصاص؟ أم ينحصر المفهوم عند مسرح الغرفة مثلاً، إذ نجد عدداً ضئيلاً أو محدوداً من الجمهور.
نعود إلى فن المونودرام أو عروض الممثل الواحد، ففي تجربتنا نحن، حاولنا تقديم أعمال محترفة بكل مقوّمات الدراما، وأن تكون في الوقت نفسه متاحة للجمهور العريض، ولا مانع من أن يكون نخبوياً إن أريد تصنيفه كذلك.
مثل هكذا تجارب نخبوية شاهدناها في دول أوروبا الشرقية، على غرار ما طرحته الممثلة الليتوانية «بيروتي مار»، لكن نحن لا زلنا نصنع العروض للجمهور العريض ونركّز على الفكاهة، هذا بحسب رأيي مع بعض الاستثناءات الشبابية.
- يشهد المسرح الجزائري حضوراً نوعياً لبنات حواء منذ عقود مع أجيال عائشة عجوري ونورية قزدرلي وسكينة مكيو ودليلة حليلو وفتيحة بربار وسعاد سبكي وغيرهنّ، ماذا عن المُنجز؟ وإلى أي حدٍ يمكن استثمار تراكمات الركح الأنثوي؟
– هي مسيرة حافلة تركنها لنا، واختلفت نتائجها ما بين الجيد والمتوسط، إلاّ أنها لم تكن يوماً ضعيفة، فحواء كانت دائماً حاضرة في المسرح، حتى وصلت سكينة مكيو المكنّاة «صونيا» رحمة الله عليها، التي كانت فاتحة المونودرام النسائي بالجزائر عبر عرض «فاطمة» عن نص الفنان الكبير أمحمد بن قطاف رحمه الله.
كل تلك التراكمات جعلت من حواء إضافة فنية على الركح، وصار وجودها أكثر من ضروري، وفي أول لقاء لي مع مجموعة ممن سبقنني إلى الركح لدى عرضي مونودرام “مايا” بمهرجان عنابة، وجدت فيهنّ السند والدعم والفرحة لأواصل المسيرة، فتحية خالصة مني لهنّ.
- كيف تقاربين واقع المسرح الجزائري الحالي في ظلّ المتغيرات السوسيو-ثقافية، وأي الأنواع الدرامية التي تمكّن من الانتقال إلى طورٍ جديد؟
– لكل زمن حالته السوسيو ثقافية، وفي زمننا هذا صار المسرح الجزائري، أو المسرح في الجزائر يبحث عن نوعه الدرامي الخاص به قبل التوجه إلى الطور الجديد.
والتجريب عند الشباب صار ضرورياً لإيجاد صيغة أو صبغة تخصّ راهنهم وحالاتهم، فالمسرح كسائر الفنون هو حيّ ومتطور ومتجدّد يواكب عصره ومجتمعه.
نلاحظ أنّ غالبية الأعمال المسرحية في وطني، تختلف تراميزها ما بين ما هو فكاهي وسياسي، وهذا نابع من الحالتين الاجتماعية والثقافية للمجتمع، وقد يتغيّر الوضع دائماً بالتجريب والبحث عن هوية مسرحية مختلفة ومتجددة، لأنّ الممارسين عندنا تختلف تكويناتهم باختلاف توجهاتهم، لكن دائماً ما نجد تجارب شبابية تحاول إيجاد نوعاً درامياً جديداً لتنتقل به إلى طور جديد.
- ما حقيقة الطرح القائل بمعاناة المسرح الجزائري الراهن من أزمتي استقراء وحشو، ما أفرز قطيعة مع الجماهير؟
– القطيعة ليس سببها الأعمال المقدمة، بقدر ما تكمن في التسيير، وهذا رأي يخصني، فجمهور المسرح في الجزائر، كان دائماً جمهوراً واعياً ومثقفاً، ولن تستطيع خداعه بالحشو، لهذا حتى الأعمال الكوميدية المحشوة تجد أنّ نسبة نجاحها مؤقتة وضيقة، إذ لا تتعدى تلك الضحكات أثناء العرض، لتُنسى قبل نهايته.
بالنسبة للقطيعة، أعيد وأكرّر أننا بحاجة إلى استراتيجية جديدة تواكب كل التطورات الحاصلة، ومن هنا أطالب بتغيير جذري في تسيير المؤسسات المسرحية ودور الثقافة، وعلى القائمين الانتصار إلى البحث الحقيقي، لأنّ العرض المسرحي لا ينتهي بانتهاء البروفات، بل يحتاج إلى أفكار وطرق توصله إلى الجمهور، وما تبقى من نجاح هو من مهام العرض.
- ماذا عن خططك للمستقبل، وهل تنوين تعميق سياقات المونودراما؟، أم تعتزمين الانفتاح أكثر على الظواهر الفنية المغايرة؟
– لديّ طموح أكبر، أو بالأحرى لدينا طموح أنا وهشام لإتمام 10 عروض مونودرامية، إن كان في العمر بقية.
أريد تجارب جديدة ومختلفة، وعليه نحن بصدد العمل على عرض مونودرامي جديد يحاكي ما كابدته المرأة الجزائرية في أربعينات القرن الماضي، زد على ذلك أحببنا وأحبّ الجمهور توليفتنا الثنائية على منوال ما حدث في “الموعد. كون”، لذا بدأنا في عمل ثنائي جديد قد نقدّمه نهاية السنة الحالية، إضافة إلى بعض التجارب السينمائية التي أطمح لتقديمها، حيث كانت لي تجربة مؤخراً مع المخرج مالك بن اسماعيل، زادتني تعلقاً بفن السينما، كما أصبو لإكمال دراستي والحصول على الدكتوراه.
سعاد جناتي في سطور
– نالت شهادتي ليسانس في اللغتين الفرنسية والألمانية، كما حصلت على شهادة ماستر في تخصص “الترجمة وفنون العرض” (2018).
– كان ظهورها الأول في مهرجان الجزائر للمسرح الجامعي (2003)، قبل أن تشارك في مهرجان الجزائر للمسرح المحترف (2007).
– شاركت في المسرحيات التالية:
* لوهام لأحمد بن خال
* غبرة الفهامة لأحسن عسوس
* ليالي الموت لعز الدين عبار
* دار العجب لأحمد بن خال
* الأجداد يزدادون شراسة لمحمد فريمهدي
* الخط الأصفر لانتصار عبد الفتاح
* الموعد كون لجهيد دين الهناني
– لها 3 مونودرامات: “مايا” و”ميرا” و”لالونا” مع المخرج هشام بوسهلة
– شاركت في عدّة مهرجانات بالكويت، المغرب، جنوب إفريقيا، البحرين، تونس، قبرص والإمارات العربية المتحدة.
– نالت عدّة جوائز، أبرزها:
* جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب (2018)
* جائزة أحسن أداء نسائي مناصفة مع أمينة بلحوسين في المهرجان الوطني للمسرح المحترف (2022)
* جائزة أحسن أداء نسائي في مهرجان البقعة بالسودان – دورتا 2014 و2016
* جائزة أحسن أداء نسائي في مهرجان عنابة للمسرح النسوي (2022)
* الجائزة الكبرى (غيراس) في بولندا (2014)
* جائزة العرض الخاصة (تيسبيس) في ألمانيا (2016)
* عدّة جوائز للعرض المتكامل عن مونودرامي “مايا” و”ميرا” في مهرجانات البقعة والأغواط وعنابة وتندوف.